ثقافة الهزيمة .. الناس اللى فوق و الناس اللى تحت 1 - الجزء السادس
ومثلا ــ وفى تلك الفترة أيضا ــ جاءنى السفير «جمال منصور» وكان وكيلا لوزارة الخارجية، وهو من الأصل واحد من الضباط الأحرار (وهو بالمناسبة خال رئيس الوزراء السابق الدكتور «عصام شرف»)، وكان لدى «جمال منصور» ما يريد أن يقوله عن الرئيس الجديد، لأنه لاحظ ــ ونحن سويا ضيوف عشاء ــ نبرة حسن نية تطلب إعطاء «مبارك» فرصة لتثبيت وضعه، وكان رأى «جمال منصور»: «أنه لا فائدة، ثم راح يروى أنه التقى «مبارك» لأول مرة عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، وقد كُلِّف من «السادات» بنقل رسالة إلى الماريشال «چوزيف بروز تيتو» (رئيس يوجوسلافيا)، وهو صديق قديم لمصر، وكان «جمال منصور» وقتها سفيرا لمصر فى «بلجراد»، وكان بالطبع فى صحبة نائب الرئيس عندما ذهب لمقابلة «تيتو»، وقضى نائب الرئيس والسفير مع الرئيس اليوجوسلافى قرابة ساعة، وخرجا بعدها، وكان أول ما قاله النائب للسفير حين دخلا معا إلى السيارة سؤاله: إذا كان يعرف من أين يأتى «تيتو» بأحذيته، فهو طول المقابلة لم يرفع نظره عن حذاء «تيتو»، ويراه «بديعا»، وهو يريد أن يعرف هل الرئيس اليوجوسلافى يشترى أحذيته جاهزة، أم أنها تفصيل؟، وكان طلبه من السفير أن يسأل من يعرف فى حاشية «تيتو»، مضيفا: «أن الأحذية «الحلوة» هى هوايته الرئيسية»!
وكان تعليق «جمال منصور» قوله: «لا فائدة!».
و أضاف الأستاذ «فتحى رضوان» (1911 ـ 1988) ــ وهو الزعيم الوطنى الصلب ــ إلى معارفى تلك الفترة قصة أخرى على نفس السياق، ولها مثل سابقتها صلة بالأحذية!
فقد أتصلوا به من رئاسة الجمهورية يبلغوه أن الرئيس «مبارك» يريد أن يراه ويتعرف عليه، وأنه حدد له موعدا فى أستراحة «الدخيلة» كان ينزل فيها من أيام قيادته للطيران، وأن سيارة من الرئاسة سوف تجىء إلى بيته فى مصر الجديدة، وتقله إلى مطار «ألماظة» فى الساعة السابعة صباحا ليكون فى «الدخيلة» ولموعده مع الرئيس فى العاشرة، وتحمَّس «فتحى رضوان» للقاء، ولديه كثير يريد أن يقوله، وقد كتب بالفعل نقطا استغرقت خمس ورقات بخطه.
وجاءت السيارة ــ وطارت الطائرة، ووصل الأستاذ «فتحى رضوان» إلى مطار «الدخيلة»، وهناك قيل له إن موعده مع الرئيس تأخر ساعتين، لأن ضيفا أفريقيا كان يزور مصر سوف يجىء إليه، وأن هناك غرفة خُصصت له فى الاستراحة حتى يحين موعده، وقضى «فتحى رضوان» فى الغرفة قرابة خمس ساعات، وأعتذر عن تناول غداء جاءوا به إليه فى الظهر، وبعد الظهر جاء إليه أحد الأمناء يخبره بأن الرئيس سوف يعود الآن من المطار إلى القاهرة مباشرة، وأنه فى الطائرة سوف يكون مع الأستاذ «فتحى رضوان» ولمدة ساعة على الأقل، وصعد «فتحى رضوان» إلى الطائرة الرئاسية، وجلس ولا أحد بجواره، لأن الرئيس كان فى الجزء الأمامى من الطائرة مع الضيف، على أنه بعد حوالى ربع ساعة من الطيران، قام «مبارك» عائدا إلى المقاعد الخلفية، وجلس على المقعد المجاور لـ«فتحى رضوان»، معتذرا عما وقع من خطأ، لأنه لم يتذكر موعده مع الرئيس الأفريقى، كما أن مكتبه لم يعرف كيف ينسق ما بين موعدين، وأراد فى دفع مظنة الإهمال أن يقول لـ«فتحى رضوان» إنه مازال نفس الرجل لم يغيره منصب الرئاسة، وإنه ــ مقاطعا حديثه ــ تصدَّق بالله يا «فتحى» بيه أنا لا أزال وأنا رئيس الجمهورية أمسح حذائى صباح كل يوم بنفسى، أجلس على الأرض، وأمسح الحذاء بالورنيش، ثم الفرشة، وبعدها قطيفة ألمعه بها.
وراح «فتحى رضوان» يشرح أن رئيس الدولة لا يصح له تضييع وقته فى مسح حذائه، وقال «مبارك»: «هذه من عوائدى كل يوم، حتى وأنا تلميذ فى ابتدائى، وحتى أصبحت قائدا للطيران، ونائبا لرئيس الجمهورية، والآن رئيسا لمصر، وقبل أن يقول «فتحى رضوان» شيئا، وجاء من يقول للرئيس إن الطائرة على وشك الهبوط فى مطار القاهرة، تذكر «مبارك» ضيفه الأفريقى، وأنه يجب أن يكون معه وقت النزول، فقام بعد أن قال لـ«فتحى رضوان» إنه سوف يطلب توصيله بالسيارة بعد الهبوط إلى بيت الرئيس حيث تكون الجلسة الحقيقية بين الرجلين، وهبطت الطائرة، ونزل الركاب، وكانت هناك سيارة فى أنتظار «فتحى رضوان» لكنها لم تحمله إلى بيت الرئيس، وإنما إلى بيته هو!!
وكان «فتحى رضوان» وهو رجل جاد فيما يتصرف به، يقول مستفزا، وهو يروى لى ما حدث له ــ وسؤاله:
ــ هل يُعقل أن أضيع يوما كاملا فى السفر ذهابا وعودة نفس اليوم، ثم يكون لقائى معه خمس دقائق لم أستفد منها إلا أننى علمت أنه «يمسح جزمته بنفسه!!».
ورجوته أن يضع المسئولية على المكتب وليس على الرئيس، ولم يقتنع «فتحى رضوان»، ورحل بعدها عن الدنيا ولم يدع إلى مقابلة الرئيس، على الأقل للاعتذار له!
ومثلا ــ وفى تلك الفترة أيضا ــ جاءنى السفير «جمال منصور» وكان وكيلا لوزارة الخارجية، وهو من الأصل واحد من الضباط الأحرار (وهو بالمناسبة خال رئيس الوزراء السابق الدكتور «عصام شرف»)، وكان لدى «جمال منصور» ما يريد أن يقوله عن الرئيس الجديد، لأنه لاحظ ــ ونحن سويا ضيوف عشاء ــ نبرة حسن نية تطلب إعطاء «مبارك» فرصة لتثبيت وضعه، وكان رأى «جمال منصور»: «أنه لا فائدة، ثم راح يروى أنه التقى «مبارك» لأول مرة عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، وقد كُلِّف من «السادات» بنقل رسالة إلى الماريشال «چوزيف بروز تيتو» (رئيس يوجوسلافيا)، وهو صديق قديم لمصر، وكان «جمال منصور» وقتها سفيرا لمصر فى «بلجراد»، وكان بالطبع فى صحبة نائب الرئيس عندما ذهب لمقابلة «تيتو»، وقضى نائب الرئيس والسفير مع الرئيس اليوجوسلافى قرابة ساعة، وخرجا بعدها، وكان أول ما قاله النائب للسفير حين دخلا معا إلى السيارة سؤاله: إذا كان يعرف من أين يأتى «تيتو» بأحذيته، فهو طول المقابلة لم يرفع نظره عن حذاء «تيتو»، ويراه «بديعا»، وهو يريد أن يعرف هل الرئيس اليوجوسلافى يشترى أحذيته جاهزة، أم أنها تفصيل؟، وكان طلبه من السفير أن يسأل من يعرف فى حاشية «تيتو»، مضيفا: «أن الأحذية «الحلوة» هى هوايته الرئيسية»!
وكان تعليق «جمال منصور» قوله: «لا فائدة!».
و أضاف الأستاذ «فتحى رضوان» (1911 ـ 1988) ــ وهو الزعيم الوطنى الصلب ــ إلى معارفى تلك الفترة قصة أخرى على نفس السياق، ولها مثل سابقتها صلة بالأحذية!
فقد أتصلوا به من رئاسة الجمهورية يبلغوه أن الرئيس «مبارك» يريد أن يراه ويتعرف عليه، وأنه حدد له موعدا فى أستراحة «الدخيلة» كان ينزل فيها من أيام قيادته للطيران، وأن سيارة من الرئاسة سوف تجىء إلى بيته فى مصر الجديدة، وتقله إلى مطار «ألماظة» فى الساعة السابعة صباحا ليكون فى «الدخيلة» ولموعده مع الرئيس فى العاشرة، وتحمَّس «فتحى رضوان» للقاء، ولديه كثير يريد أن يقوله، وقد كتب بالفعل نقطا استغرقت خمس ورقات بخطه.
وجاءت السيارة ــ وطارت الطائرة، ووصل الأستاذ «فتحى رضوان» إلى مطار «الدخيلة»، وهناك قيل له إن موعده مع الرئيس تأخر ساعتين، لأن ضيفا أفريقيا كان يزور مصر سوف يجىء إليه، وأن هناك غرفة خُصصت له فى الاستراحة حتى يحين موعده، وقضى «فتحى رضوان» فى الغرفة قرابة خمس ساعات، وأعتذر عن تناول غداء جاءوا به إليه فى الظهر، وبعد الظهر جاء إليه أحد الأمناء يخبره بأن الرئيس سوف يعود الآن من المطار إلى القاهرة مباشرة، وأنه فى الطائرة سوف يكون مع الأستاذ «فتحى رضوان» ولمدة ساعة على الأقل، وصعد «فتحى رضوان» إلى الطائرة الرئاسية، وجلس ولا أحد بجواره، لأن الرئيس كان فى الجزء الأمامى من الطائرة مع الضيف، على أنه بعد حوالى ربع ساعة من الطيران، قام «مبارك» عائدا إلى المقاعد الخلفية، وجلس على المقعد المجاور لـ«فتحى رضوان»، معتذرا عما وقع من خطأ، لأنه لم يتذكر موعده مع الرئيس الأفريقى، كما أن مكتبه لم يعرف كيف ينسق ما بين موعدين، وأراد فى دفع مظنة الإهمال أن يقول لـ«فتحى رضوان» إنه مازال نفس الرجل لم يغيره منصب الرئاسة، وإنه ــ مقاطعا حديثه ــ تصدَّق بالله يا «فتحى» بيه أنا لا أزال وأنا رئيس الجمهورية أمسح حذائى صباح كل يوم بنفسى، أجلس على الأرض، وأمسح الحذاء بالورنيش، ثم الفرشة، وبعدها قطيفة ألمعه بها.
وراح «فتحى رضوان» يشرح أن رئيس الدولة لا يصح له تضييع وقته فى مسح حذائه، وقال «مبارك»: «هذه من عوائدى كل يوم، حتى وأنا تلميذ فى ابتدائى، وحتى أصبحت قائدا للطيران، ونائبا لرئيس الجمهورية، والآن رئيسا لمصر، وقبل أن يقول «فتحى رضوان» شيئا، وجاء من يقول للرئيس إن الطائرة على وشك الهبوط فى مطار القاهرة، تذكر «مبارك» ضيفه الأفريقى، وأنه يجب أن يكون معه وقت النزول، فقام بعد أن قال لـ«فتحى رضوان» إنه سوف يطلب توصيله بالسيارة بعد الهبوط إلى بيت الرئيس حيث تكون الجلسة الحقيقية بين الرجلين، وهبطت الطائرة، ونزل الركاب، وكانت هناك سيارة فى أنتظار «فتحى رضوان» لكنها لم تحمله إلى بيت الرئيس، وإنما إلى بيته هو!!
وكان «فتحى رضوان» وهو رجل جاد فيما يتصرف به، يقول مستفزا، وهو يروى لى ما حدث له ــ وسؤاله:
ــ هل يُعقل أن أضيع يوما كاملا فى السفر ذهابا وعودة نفس اليوم، ثم يكون لقائى معه خمس دقائق لم أستفد منها إلا أننى علمت أنه «يمسح جزمته بنفسه!!».
ورجوته أن يضع المسئولية على المكتب وليس على الرئيس، ولم يقتنع «فتحى رضوان»، ورحل بعدها عن الدنيا ولم يدع إلى مقابلة الرئيس، على الأقل للاعتذار له!
No comments:
Post a Comment