ثقافة الهزيمة .. الناس اللى فوق و الناس اللى تحت 1 - الجزء الخامس
و فى كتابه " مبارك وزمانه مـن المنصة إلى الميدان " يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل
كيف يمكن تفسير الأحوال التى ترك حسنى مبارك مصر عليها، وهى أحوال تفريط وانفراط للموارد والرجال، وتجريف كامل للثقافة والفكر، حتى إنه حين أراد أن ينفى عزمه على توريث حكمه لابنه، رد بحدة على أحد سائليه وهو أمير سعودى تواصل معه من قديم، قائلا بالنص تقريبا:
ــ «يا راجل حرام عليك»، ماذا أورِّث ابنى ــ أورثه «خرابة»؟!! ولم يسأله سامعه متى وكيف تحولت مصر إلى «خرابة» حسب وصفه!!
وهل تولى حكمها وهى على هذا الحال، وإذا كان ذلك فماذا فعل لإعادة تعميرها طوال ثلاثين سنة، وهذه فترة تزيد مرتين عما أخذته بلاد مثل الصين والهند والملايو لكى تنهض وتتقدم. وهنا فإن التساؤل لا يعود عن الصور، وإنما ينتقل إلى البحث عن الرجل ذاته!!
وبناء على أرقام صندوق النقد الدولى فإن مصر جاءتها فى ظروف حرب الخليج وما بعدها مساعدات وهبات بلغت قيمتها 100 مليار دولار، وهى على النحو التالى: 30 مليارا إعفاء ديون مستحقة على مصر لدول أجنبية، 25 مليار دولار من الكويت، 10 مليارات دولار من السعودية، 10 مليارات دولار من دولة الإمارات ، والباقى من مصادر متفرقة، وذلك بالإضافة إلى كثير من خدمات المخابرات والأمن والسلاح والتوريدات المقدمة إلى ما لا نهاية من الخدمات، وكله أعطى مصر صفحة اقتصادية جديدة مشجعة! لكن المشكلة أن جماعات المصالح التى أحاطت بالأب، وزحفت مع الابن تحولت إلى سرب جراد أتى على ما جاءت به السياسة، أى أن الوعاء الأقتصادى الذى امتلأ بالسيولة بعد حرب الخليج، جرى تفريغه بالنهب بعدها!
هاجس أمن وتأمين الرئيس وصل بمبارك وحاشيته إلى درجة عبثية، لدرجة أن تكاليف وجود مبارك في شرم الشيخ – المدينة التي نصحه بها الأمريكيون لزيادة تأمينه- كانت تصل إلى مليون جنيه يوميًا، حيث كان حوله موظفو ديوانه وحرسه وكاتب الأتصال مع الدولة وزوار قادمون وذاهبون، ومسئولون لديهم ما يعرضونه أو يسألون فيه، وسفر الجميع إلى شرم الشيخ مهمة لها تكاليفها من مواصلات وإقامة وبدل سفر، خلاف مصروفات تتحملها جهات أخرى في الدولة.
و فى مقابلة مع الرئيس مبارك ( أواخر عام 1981 بعد توليه رئاسة الجمهورية ) إذا هو يسألنى:
ــ ألا تريد أن تدخن سيجارا ــ أنا أعرف أنك من مدخنى السيجار، وأنا مثلك.
وأبديت الدهشة، فقال إنه لا يظهر فى الصور بالسيجار لكى يتجنب «القرشنة» ــ!ــ لكنه يدخن سيجارا واحدا كل يوم، ثم ضغط على جرس يطلب صندوق السيجار.
وجاء الصندوق مع أحد الضباط، وأخذت منه سيجارا، وأخذ هو سيجارا.
ثم سألنى وهو يرانى أشعل عود كبريت: «سيجار كويس»؟!!
ولم أقل شيئا، ويظهر أنه أحس أننى لا أشاركه الرأى.
وقلت: «بكل احترام ــ الحقيقة أنه مقبول».
وقال بأستنكار: «إيه؟! ــ هذا «روميو وچولييت».
وقلت: «الشركة التى تنتج سيجار «روميو وچولييت» تنتج أكثر من 75 نوعا بعلامتها، وكل نوع منها مختلف عن الآخر».
وسأل «مبارك» باهتمام:
«أُمال إيه بقى السيجار الكويس؟!».
وقلت «بإذنك فى سيارتى علبة صغيرة فيها سيجار، ولم أدخل بها لأنى لم أتصور أنك تدخن، وإذا وافقت نطلبه».
وجاءت العلبة، وعرضت على الرئيس «مبارك» أن يتفضل، فأخذ واحدا منها وأشعله، وكانت ملاحظته: والله أحسن فعلا ــ «غريبة جدا»!!
وقال وهو يستعيد الذكريات:
«عندما كنا نتدرب فى الاتحاد السوڤييتى كطيارين، كنا نشترى هذا السيجار (الذى لم يعجبك!!) ونبعث به إلى قادة السلاح، وكانوا يعتبرون ذلك «فخفخة»!».
ثم عاودته الذكريات فقال:
- أيام التدريب فى الأتحاد السوڤييتى كنا فى قاعدة جوية قرب «خاركوف»، وفى الأجازة ننزل إلى «موسكو»، وكنا نخفى الورقة «أم مائة دولار» تحت الشراب بعد أن نغطيها بقطعة من ورق التواليت، (أضاف أن ورق التواليت فى روسيا سميك وخشن مثل الخيش)، ثم نغيرها فى السوق السوداء عن طريق موظف فى مكتب الملحق العسكرى بمبلغ كبير من الروبلات، ونشترى علبا من هذا السيجار ونشحنها إلى قادة السلاح فى مصر. وأستطرد: كان «الروبل» بالسعر الرسمى يساوى أكثر من دولار واحد، لكن السعر فى السوق السوداء كان 21 روبلا لكل دولار، فارق كبير، أضاف، «لكن الواد بتاع المكتب العسكرى كان جن».
وعاد «مبارك» فجذب نفسا من السيجار الذى قدمته له، وقال: «فعلا لك حق هذا أحسن جدا»، ولكنهم (يقصد القادة الذين كان يرسل لهم السيجار) كانوا يعتقدون أن الأتحاد السوڤييتى يأخذ سيجار كوبا مقابل السلاح، وقلت: «ذلك صحيح إلى حد ما، لكن أفضل أنواع السيجار الذى تنتجه كوبا كانت للتصدير بالعملة الصعبة إلى الغرب، وما تبقى من الدرجة الثالثة والرابعة يذهب إلى الاتحاد السوڤييتى ويشتريه الزوار بحُسن نية».
ومد الرئيس «مبارك» يده إلى جرس، فدعى أحد الضباط، ثم ألتفت وقال:
- «محمد» بيه ملِّى عليه كل أنواع السيجار «الكويس»!
وقلت ما مؤداه «أن لكل نوع من السيجار مذاقا، وأن كل مذاق مسألة أختيار، ولذلك فإنه من الصعب على مدخن أن يوصى غيره بنوع معين».
وقال: معلش «ملِّيه» الأنواع «الأبهة» (المتميزة).
وكان الضابط قد أسرع وجاء بورقة وقلم مستعدا لكى أمليه.
وعاد إلى تجربة «السيجار» الذى قدمته له، وقال:
- «فعلا كويس جدا».
ثم أضاف ضاحكا:
- يا أخى عاوزين نتعلم «العز».
و فى كتابه " مبارك وزمانه مـن المنصة إلى الميدان " يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل
كيف يمكن تفسير الأحوال التى ترك حسنى مبارك مصر عليها، وهى أحوال تفريط وانفراط للموارد والرجال، وتجريف كامل للثقافة والفكر، حتى إنه حين أراد أن ينفى عزمه على توريث حكمه لابنه، رد بحدة على أحد سائليه وهو أمير سعودى تواصل معه من قديم، قائلا بالنص تقريبا:
ــ «يا راجل حرام عليك»، ماذا أورِّث ابنى ــ أورثه «خرابة»؟!! ولم يسأله سامعه متى وكيف تحولت مصر إلى «خرابة» حسب وصفه!!
وهل تولى حكمها وهى على هذا الحال، وإذا كان ذلك فماذا فعل لإعادة تعميرها طوال ثلاثين سنة، وهذه فترة تزيد مرتين عما أخذته بلاد مثل الصين والهند والملايو لكى تنهض وتتقدم. وهنا فإن التساؤل لا يعود عن الصور، وإنما ينتقل إلى البحث عن الرجل ذاته!!
وبناء على أرقام صندوق النقد الدولى فإن مصر جاءتها فى ظروف حرب الخليج وما بعدها مساعدات وهبات بلغت قيمتها 100 مليار دولار، وهى على النحو التالى: 30 مليارا إعفاء ديون مستحقة على مصر لدول أجنبية، 25 مليار دولار من الكويت، 10 مليارات دولار من السعودية، 10 مليارات دولار من دولة الإمارات ، والباقى من مصادر متفرقة، وذلك بالإضافة إلى كثير من خدمات المخابرات والأمن والسلاح والتوريدات المقدمة إلى ما لا نهاية من الخدمات، وكله أعطى مصر صفحة اقتصادية جديدة مشجعة! لكن المشكلة أن جماعات المصالح التى أحاطت بالأب، وزحفت مع الابن تحولت إلى سرب جراد أتى على ما جاءت به السياسة، أى أن الوعاء الأقتصادى الذى امتلأ بالسيولة بعد حرب الخليج، جرى تفريغه بالنهب بعدها!
هاجس أمن وتأمين الرئيس وصل بمبارك وحاشيته إلى درجة عبثية، لدرجة أن تكاليف وجود مبارك في شرم الشيخ – المدينة التي نصحه بها الأمريكيون لزيادة تأمينه- كانت تصل إلى مليون جنيه يوميًا، حيث كان حوله موظفو ديوانه وحرسه وكاتب الأتصال مع الدولة وزوار قادمون وذاهبون، ومسئولون لديهم ما يعرضونه أو يسألون فيه، وسفر الجميع إلى شرم الشيخ مهمة لها تكاليفها من مواصلات وإقامة وبدل سفر، خلاف مصروفات تتحملها جهات أخرى في الدولة.
و فى مقابلة مع الرئيس مبارك ( أواخر عام 1981 بعد توليه رئاسة الجمهورية ) إذا هو يسألنى:
ــ ألا تريد أن تدخن سيجارا ــ أنا أعرف أنك من مدخنى السيجار، وأنا مثلك.
وأبديت الدهشة، فقال إنه لا يظهر فى الصور بالسيجار لكى يتجنب «القرشنة» ــ!ــ لكنه يدخن سيجارا واحدا كل يوم، ثم ضغط على جرس يطلب صندوق السيجار.
وجاء الصندوق مع أحد الضباط، وأخذت منه سيجارا، وأخذ هو سيجارا.
ثم سألنى وهو يرانى أشعل عود كبريت: «سيجار كويس»؟!!
ولم أقل شيئا، ويظهر أنه أحس أننى لا أشاركه الرأى.
وقلت: «بكل احترام ــ الحقيقة أنه مقبول».
وقال بأستنكار: «إيه؟! ــ هذا «روميو وچولييت».
وقلت: «الشركة التى تنتج سيجار «روميو وچولييت» تنتج أكثر من 75 نوعا بعلامتها، وكل نوع منها مختلف عن الآخر».
وسأل «مبارك» باهتمام:
«أُمال إيه بقى السيجار الكويس؟!».
وقلت «بإذنك فى سيارتى علبة صغيرة فيها سيجار، ولم أدخل بها لأنى لم أتصور أنك تدخن، وإذا وافقت نطلبه».
وجاءت العلبة، وعرضت على الرئيس «مبارك» أن يتفضل، فأخذ واحدا منها وأشعله، وكانت ملاحظته: والله أحسن فعلا ــ «غريبة جدا»!!
وقال وهو يستعيد الذكريات:
«عندما كنا نتدرب فى الاتحاد السوڤييتى كطيارين، كنا نشترى هذا السيجار (الذى لم يعجبك!!) ونبعث به إلى قادة السلاح، وكانوا يعتبرون ذلك «فخفخة»!».
ثم عاودته الذكريات فقال:
- أيام التدريب فى الأتحاد السوڤييتى كنا فى قاعدة جوية قرب «خاركوف»، وفى الأجازة ننزل إلى «موسكو»، وكنا نخفى الورقة «أم مائة دولار» تحت الشراب بعد أن نغطيها بقطعة من ورق التواليت، (أضاف أن ورق التواليت فى روسيا سميك وخشن مثل الخيش)، ثم نغيرها فى السوق السوداء عن طريق موظف فى مكتب الملحق العسكرى بمبلغ كبير من الروبلات، ونشترى علبا من هذا السيجار ونشحنها إلى قادة السلاح فى مصر. وأستطرد: كان «الروبل» بالسعر الرسمى يساوى أكثر من دولار واحد، لكن السعر فى السوق السوداء كان 21 روبلا لكل دولار، فارق كبير، أضاف، «لكن الواد بتاع المكتب العسكرى كان جن».
وعاد «مبارك» فجذب نفسا من السيجار الذى قدمته له، وقال: «فعلا لك حق هذا أحسن جدا»، ولكنهم (يقصد القادة الذين كان يرسل لهم السيجار) كانوا يعتقدون أن الأتحاد السوڤييتى يأخذ سيجار كوبا مقابل السلاح، وقلت: «ذلك صحيح إلى حد ما، لكن أفضل أنواع السيجار الذى تنتجه كوبا كانت للتصدير بالعملة الصعبة إلى الغرب، وما تبقى من الدرجة الثالثة والرابعة يذهب إلى الاتحاد السوڤييتى ويشتريه الزوار بحُسن نية».
ومد الرئيس «مبارك» يده إلى جرس، فدعى أحد الضباط، ثم ألتفت وقال:
- «محمد» بيه ملِّى عليه كل أنواع السيجار «الكويس»!
وقلت ما مؤداه «أن لكل نوع من السيجار مذاقا، وأن كل مذاق مسألة أختيار، ولذلك فإنه من الصعب على مدخن أن يوصى غيره بنوع معين».
وقال: معلش «ملِّيه» الأنواع «الأبهة» (المتميزة).
وكان الضابط قد أسرع وجاء بورقة وقلم مستعدا لكى أمليه.
وعاد إلى تجربة «السيجار» الذى قدمته له، وقال:
- «فعلا كويس جدا».
ثم أضاف ضاحكا:
- يا أخى عاوزين نتعلم «العز».
No comments:
Post a Comment